يقدّم رانجان سولومون في هذا المقال تفكيكًا عميقًا لبنية الإفلات من العقاب التي تحكم العلاقة بين القوة الأميركية والمشروع الاستيطاني الإسرائيلي ودور الأمم المتحدة، معتبرًا أن ما جرى في مجلس الأمن ليس خطأً دبلوماسيًا عابرًا، بل ممارسة اعتيادية لقوة ترى في القانون الدولي أداة انتقائية تُفعَّل حين تخدم المصالح وتُعطَّل حين تهددها
يوضح موقع ميدل إيست مونيتور أن امتناع الولايات المتحدة عن إدانة عنف المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية المحتلة، ورفضها عقد إحاطات حول القرار 2334، يكشفان عن منطق أوسع يحكم النظام الدولي، حيث تُدار الشرعية القانونية بما يضمن استمرار اختلال ميزان القوة لا تصحيحه
القانون الدولي كأداة خاضعة للقو
يرى الكاتب أن موقف واشنطن داخل مجلس الأمن يعكس تصورًا بنيويًا للقانون الدولي، لا بوصفه إطارًا ملزمًا، بل باعتباره أداة سياسية مرنة. تتحرك الولايات المتحدة داخل المؤسسات الدولية انطلاقًا من حسابات استراتيجية، لا من التزامات قانونية أو أخلاقية. عندما يهدد تطبيق القانون مصالحها أو مصالح حلفائها، يتراجع القانون خطوة إلى الخلف، ويتقدم التعطيل الإجرائي والصمت المتعمد
لا يتعلق الأمر هنا بازدواجية معايير فحسب، بل بطبيعة النظام العالمي ذاته. ينظم هذا النظام العلاقة بين القوة العسكرية ورأس المال والشرعية السياسية على نحو يحافظ على عالم غير متكافئ، حيث تملك بعض الدول حق التعطيل الدائم، بينما تُترك شعوب أخرى بلا حماية فعلية
الأمم المتحدة: إدارة الهيمنة لا تفكيكه
يجادل سولومون بأن الأمم المتحدة، وخصوصًا مجلس الأمن، لم تُنشأ لتقويض الإمبراطوريات أو إنهاء الاستعمار، بل صُمّمت لتثبيت الاستقرار داخل نظام الهيمنة القائم. تمنح المؤسسة غطاءً إجرائيًا لاستمرار السيطرة، عبر لغة القواعد والقرارات والنقاشات المنضبطة. تسمح هذه البنية بإدارة الخلاف لا حسمه، وباحتواء الغضب لا معالجته
عندما يختبر هذا النظام حدودَه، وتصبح الشرعية القانونية قادرة على فرض كلفة حقيقية على مشروع استيطاني حليف للقوة الإمبريالية، يتحول الرد إلى العرقلة لا التنفيذ. يُفرغ القانون من مضمونه عبر تعطيل آلياته، وتُستبدل العدالة بإدارة الوقت وتأجيل المحاسبة.
القرار 2334 ومعضلة المحاسب
يشكل القرار 2334، الصادر عام 2016، مثالًا واضحًا على هذا المأزق. يؤكد القرار عدم شرعية المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، ويصفها بأنها انتهاك صارخ للقانون الدولي. لا يبتكر القرار قاعدة جديدة، بل يعيد التأكيد على مبادئ راسخة في القانون الدولي الإنساني
مع ذلك، أصبح مجرد التذكير بهذه المبادئ أمرًا غير مقبول سياسيًا. تعكس معارضة واشنطن لمناقشة القرار داخل مجلس الأمن حقيقة أعمق: حين يهدد القانون استمرارية مشروع استيطاني منسجم مع مصالح إمبريالية، يتحول القانون ذاته إلى عبء يجب إسكاتُه. تُصنَّع حالة من الصمت، وتُستخدم الإجراءات التقنية كسلاح، وتُرحَّل المساءلة إلى أجل غير مسمى
الاستيطان كاقتصاد سياسي منظ
يرفض المقال اختزال الاستيطان الإسرائيلي في دوافع دينية أو أفعال تطرف فردي. يراه عملية مادية ممنهجة، تقوم على اقتصاد سياسي للتراكم عبر نزع الملكية. تصادر الأرض، وتُقيَّد الحركة، وتُحتكر المياه، ويُعاد تشكيل سوق العمل الفلسطيني إما عبر إخضاعه أو إقصائه. تتفكك المجتمعات إلى جيوب معزولة، تعتمد اقتصاديًا على القوة المسيطرة، وتعيش في هشاشة دائمة
يؤدي عنف المستوطنين دورًا وظيفيًا داخل هذا النظام. لا يظهر بوصفه انحرافًا، بل أداة ترهيب وتطهير بطيء للأرض، تسرّع السيطرة المكانية، بينما يحافظ الكيان الرسمي على مسافة شكلية تسمح له بإنكار المسؤولية المباشرة
إفلات من العقاب بوصفه بنية لا خللً
يخلص سولومون إلى أن الإفلات من العقاب ليس نتيجة فشل مؤقت في تطبيق القانون، بل بنية متكاملة تحمي مشروعًا استيطانيًا مدعومًا بقوة عظمى. يعيد هذا الواقع تعريف دور القانون الدولي، لا كآلية عدالة، بل كمساحة صراع تُفرغ من مضمونها حين تقترب من مراكز القوة
في هذا السياق، لا تبدو المشكلة في غياب النصوص أو القرارات، بل في غياب الإرادة السياسية لفرضها. يظل النظام الدولي قادرًا على إنتاج الإدانات، لكنه يعجز عن تحويلها إلى أفعال ما دامت موازين القوة تحكم مسار الشرعية. هكذا يستمر الاستعمار الاستيطاني، لا رغم القانون، بل عبر تعطيله المنهجي، في مشهد يكشف الاقتصاد السياسي الحقيقي للإفلات من العقاب.
https://www.middleeastmonitor.com/20251219-us-power-israeli-settler-colonialism-and-the-un-the-political-economy-of-impunity/

